فصل: المقصد الثاني في ترتيب ما هو خارج عن حاضرة دمشق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.المقصد الثاني في ترتيب ما هو خارج عن حاضرة دمشق:

وهو على ضربين:
الضرب الأول ما هو خارج عن حاضرتها من النيابات والولايات:
قد تقدم أن لدمشق أربع صفقات:
غربية وهي الساحلية. وقبلية وشمالية. وشرقية.
ففي الصفقة الأولى وهي الغربية نيابتان وخمس ولايات:
فأما النيابتان: فالأولى نيابة غزة أو تقدمة العسكر بها على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ومعاملاتها بالدنانير وبالدراهم النقرة، وصنجتها في الذهب والفضة كصنجة الديار المصرية. وكان بها فلوس كل ثمانين منها بدرهم، ويعبر عن كل أربعة منها بحبة، ثم راجت بها الفلوس الجدد في أوائل الدولة الناصرية فرج بن برقوق ولكن كل ستة وثلاثين فلساً منها بدرهم، ورطلها سبعمائة وعشرون درهماً بالدرهم المصري، وأواقيه اثنتا عشرة أوقية، كل أوقية ستون درهماً. ومكيلاتها معتبرة بالغرارة. وكل غرارة من غرائرها ثلاثة أرادب بالمصري؛ وقياس قماشها بالذراع المصري؛ وأرضها معتبرة بالفدان الإسلامي والفدان الرومي على ما تقدم في دمشق؛ وجيوشها مجتمعة من الترك ومن في معناهم ومن العرب والتركمان؛ وبها من الوظائف النيابة ثم تارة يصرح لنائبها بنيابة السلطنة. وبكل حال فنائبها أو مقدم العسكر بها لا يكون إلا مقدم ألف؛ وبها أمراء الطبلخاناه والعشرات والخمسات ومن في معناهم، وفيها من وظائف أرباب السيوف الحجوبية وحاجبها أمير طبلخاناه، وولاية المدينة وولاية البر، وشد الدواوين، والمهمندارية، ونقابة النقباء وغير ذلك. وبها من الوظائف الديوانية كاتب درج، وناظر جيش، وناظر مال، وولايتهم من الأبواب السلطانية. ومن الوظائف الدينية قاض شافعي، وولايته من قبل قاضي دمشق إذا كانت غزة تقدمة عسكر وإلا فهي من الأبواب السلطانية، وقاض حنفي قد استحدث، وولايته من الأبواب السلطانية، وبها المحتسب، ووكيل بيت المال ومن في معناهم وكلهم نواب لأرباب هذه الوظائف بدمشق كما في القاضي الشافعي.
وليس بها قضاء عسكر ولا إفتاء دار عدل.
الثانية- نيابة القدس- وقد تقدم أنها كانت في الزمن المتقدم ولايةً صغيرة وأن النيابة استحدثت فيها في سنة سبع وسبعين وسبعمائة، ونيابتها إمرة طبلخاناه، وقد جرت العادة أن يضاف إليها نظر القدس ومقام الخليل عليه السلام؛ ومعاملتها بالذهب والفضة والفلوس على ما تقدم في معاملة دمشق؛ ورطلها وكيلها يعتبر بالغرارة، وغرارتها وقياس قماشها بذراع، وبها من الوظائف غير النيابة ولاية قلعة القدس، وواليها جندي وكذلك ولاية المدينة، وكانت توليتها أولاً من جهة نائب السلطنة بدمشق، ثم أخبرني بعض أهل المملكة الشامية أن ولاية والي القلعة وولاية البلد صارتا إلى نائب القدس من حين استقر نيابة، وكذلك ولاية بلد الخليل عليه السلام. وبها قاض شافعي ومحتسب نائبان عن قاضي دمشق ومحتسبها، وكذلك جميع الوظائف بها نيابات عن أرباب الوظائف بدمشق.
وأما الولايات: فالأولى- ولاية الرملة- وكانت في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون من الولايات الصغار بها جندي، ثم استقر بها في دولة الظاهر برقوق كاشفٌ أمير طبلخاناه، ثم حدثت مكاتبته عن الأبواب السلطانية بعد ذلك.
الثانية- ولاية لدٍ- وقد كانت في الأيام الناصرية ابن قلاوون ولايةً صغيرة بها جندي، ثم أضيفت إلى الرملة حين استقر بها الكاشف المقدم ذكره.
الثالثة- ولاية قاقون- وكان بها في الأيام الناصرية جندي، ثم أضيفت إلى كاشف الرملة عند استقراره.
الرابعة- ولاية بلد الخليل عليه السلام- وكان في الأيام الناصرية بها جندي، ثم أضيفت إلى القدس حين استقر النائب به.
الخامسة- ولاية نابلس- وهي باقية على حالها في الانفراد بالولاية، وواليها تارة يكون أمير طبلخاناه، وتارة أمير عشرين، وتارة أمير عشرة.
وأما الصفقة الثانية وهي القبلية، فبها نيابتان وثمان ولايات.
فأما النيابتان: فالأولى منها نيابة قلعة صرخد قال في التعريف: قد يجعل فيها من ينحط عن رتبة السلطنة أو تكون نيابة معظمة، وذكر نحوه في مسالك الأبصار وكأنه يشير إلى ما كانت عليه في زمانه، فإنه من جملة من كان نائباً بها العادل كتبغا بعد خلعه من السلطنة، ثم انتقل منها إلى نيابة حماة. واعلم أن بصرخد المذكورة قلعةً لها والٍ خاص. قال في التثقيف: وهي من القلاع التي يستقل نائب الشام بالتولية فيها.
الثانية- نيابة عجلون- وقد أشار في التثقيف إلى أنها نيابة حيث قال: وعجلون إن كانت نيابة فإن نائب الشام يستقل بالتولية فيها ولم تجر له عادة بمكاتبة من الأبواب الشريفة.
وأما الولايات: فالأولى- ولاية بيسان- وواليها جندي.
الثانية- ولاية بانياس- وواليها جندي تارة، وتارة إمرة عشرة.
الثالثة- وولاية قلعة الصبيبة- وكانت ولاية صغيرة وبها جندي ثم أضيفت إلى بانياس.
الرابعة- ولاية الشعرا- وكانت في الأيام الناصرية مضافة إلى بانياس، وهي الآن ولاية مفردة، وواليها جندي.
الخامسة- ولاية أذرعات- قال في التعريف: وبها مقر ولاية الحاكم على جميع الصفقة؛ ثم الحاكم على جميع الصفقة تارة يكون طبلخاناه وتكون ولايته عن نائب الشام، وتارة يكون مقدم ألف فتكون ولايته من الأبواب السلطانية. أخبرني بعض كتاب دست دمشق أنه إن كان مقدم ألف، سمي كاشف الكشاف وإن كان طبلخاناه سمي والي الولاة وهو الغالب.
السادسة- ولاية حسبان والصلت- من البلقاء. أخبرني القاضي ناصر الدين بن أبي الطيب كاتب السر بدمشق أنهما إن جمعا لوالٍ كان جندياً.
السابعة- ولاية بصرى- وواليها جندي أيضاً.
الصفقة الثانية الشمالية. وفيها نيابة واحدة وثلاث ولايات: فأما النيابة فنيابة بعلبك وقد كانت في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون إمرة عشرة، ثم صارت الآن إمرة طبلخاناه، وبكل حال فنائب الشام هو الذي يستقل بولايتها، وربما وليت من الأبواب السلطانية. قال في التعريف: ولها ولاية خاصة يعني غير ولاية المدينة؛ وقد كانت في الدولة الأيوبية مفردة في الغالب بملك بمفردها.
وأما الولايات: فالأولى- منها ولاية البقاع البعلبكي- قال في التعريف: وهاتان الولايتان الآن منفصلتان عن بعلبك وهما مجموعتان لوال واحد جليل مفرد بذاته؛ وهما على ما ذكره من جمعهما لوال واحد إلى الآن، إلا انه تارة يليهما مقدم حلقة وتارة جندي.
الثانية- ولاية بيروت- وولايتها الآن إمرة طبلخاناه.
الثالثة- ولاية صيدا- قال في مسالك الأبصار: وهي ولاية جليلة؛ وهي على ما ذكره إلى زماننا، تارة يليها أمير طبلخاناه، وتارة أمير عشرة.
الصفقة الرابعة الشرقية. وبها ثلاث نيابات وأربع ولايات.
فأما النيابات: فالأولى- نيابة حمص- وهي نيابة جليلة، وقد كانت في الأيام الناصرية فما بعدها تقدمة ألف. قال في التثقيف: ثم استقرت طبلخاناه بعد ذلك.
قال: ونائب قلعتها من المماليك السلطانية. وقد تقدم أن الذكر في الزمن القديم كان لها دون حماة، وقد كانت في الدولة الأيوبية مملكة منفردة تارة، وتضاف إلى غيرها أخرى.
الثانية- نيابة مصياف- وقد تقدم أنها كانت أولاً من مضافات أطرابلس في جملة قلاع الدعوة، ثم أضيفت بعد ذلك إلى دمشق واستمرت على ذلك إلى الآن. ونيابتها تارة تكون إمرة طبلخاناه، وتارة تكون إمرة عشرة، وبكل حال فتوليتها من الأبواب السلطانية، ونائبها لا يكتب له إلا في المهمات دون خلاص الحقوق أيضاً.
الثالثة- ولاية صيدا- والغالب في نيابتها أن تكون تقدمة ألف، وأشار في التثقيف إلى أنها قد تكون طبلخاناه، قال في التعريف: وبقلعتها بحرية وخيالة وكشافة وطوائف من المستخدمين.
الضرب الثاني من الخارج عن حاضرة دمشق العربان والإمرة بها في بطون من العرب:
البطن الأولى: آل ربيعة من طيىء من كهلان من القحطانية:
وهم بنو ربيعة بن حازم، بن علي، بن مفرج، بن دغفل، بن جراح، وقد تقدم نسبه مستوفى مع ذكر الاختلاف فيه في الكلام على ما يحتاج إليه الكاتب في المقالة الأولى. قال في العبر: وكانت الرياسة عليهم في زمن الفاطميين: خلفاء مصر لبني جراح، كان كبيرهم مفرج بن دغفل بن جراح، وكان من إقطاعه الرملة. ومن ولده حسان وعلي ومحمود وحرار، وولي حسان بعده فعظم أمره وعلا صيته، وهو الذي مدحه الرياشي الشاعر في شعره. قال الحمداني: وكان مبدأ ربيعة أنه نشأ في أيام الأتابك زنكي صاحب الموصل، وكان أمير عرب الشام أيام طغتكين السلجوقي صاحب دمشق ووفد على السلطان نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام فأكرمه وشاد ذكره. قال: وكان له أربعة أولاد، وهم فضل، ومرا، وثابت، ودغفلٌ، ووقع في كلام المسبحي أنه كان له ولد اسمه بدر. قال الحمداني: وفي آل ربيعة جماعة كثيرة أعيانٌ لهم مكانة وأبهة، أول من رأيت منهم ماتع بن حديثة وغنام بن الطاهر، على أيام الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب. قال: ثم حضر بعد ذلك منهم إلى الأبواب السلطانية في دولة المعز أيبك وإلى أيام المنصور قلاوون زامل بن علي بن حديثة، وأخوه أبو بكر بن علي، وأحمد بن حجي وأولاده، وإخوته، وعيسى بن مهنا وأولاده وأخوه؛ وكلهم رؤساء أكابر وسادات العرب ووجوهها، ولهم عند لا سلاطين حرمة كبيرة وصيتٌ عظيم، إلى رونق في بيوتهم ومنازلهم.
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ** مثل النجوم التي يسري بها الساري

ثم قال: إلا أنهم مع بعد صيتهم قليلٌ عددهم، قال في مسالك الأبصار: لكنهم كما قيل:
تعيرنا أنا قليلٌ عديدنا ** فقلت لها إن الكرام قليل

وما ضرنا أنا قليلٌ وجارنا ** عزيزٌ وجار الأكثرين ذليل

ولم يزل لهم عند الملوك المكانة العلية والدرجة الرفيعة، يحلونهم فوق كيوان، وينوعون لهم أجناس الإحسان. قال الحمداني: وقد فرج بن حية على المعز أيبك فأنزله بدار الضيافة وأقام أياماً، فكان مقدار ما وصل إليه من عينً وقماش وإقامة له ولمن معه- ستةً وثلاثين ألف دينار. قال: واجتمع أيام الظاهر بيبرس جماعةٌ من آل ربيعة وغيرهم فحصل لهم من الضيافة خاصةً في المدة اليسيرة أكثر من هذا المقدار، وما يعلم ما صرف على يدي من بيوت الأموال والخزائن والغلال للعرب خاصةً إلا الله تعالى.
واعلم أن آل ربيعة قد انقسموا إلى ثلاثة أفخاذ، هم المشهورون منهم ومن عداهم أتباعٌ لهم وداخلون في عددهم، ولكل من الثلاثة أمير مختص به.
الفخذ الأول- آل فضل- وهو فضل بن ربيعة المقدم ذكره؛ وهم رأس الكل وأعلاهم درجةً وأرفعهم مكانةً. قال في مسالك الأبصار: وديارهم من حمص إلى قلعة جعبرٍ إلى الرحبة، آخذين على شقي الفرات وأطراف العراق حتى ينتهي حدهم بشرق إلى الوشم، آخذين يساراً إلى البصرة؛ ولهم مياه كثيرة ومناهل مورودة:
ولها منهلٌ على كل ماءٍ ** وعلى كل دمنةٍ آثار

وقد ذكر في مسالك الأبصار نقلاً عن محمود بن عرام، من بني ثابت ابن ربيعة: أن آل فضل تشعبوا شعباً كثيرة، منهم آل عيسى، وآل فرج، وآل سميط، وآل مسلم، وآل علي. قال: وأما من ينضاف إليهم ويدخل فيهم، فرعب، والحريث، وبنو كلب، وبعض بني كلاب، وآل بشار، وخالد حمص، وطائفة من سنبس وسعيدة، وطائفة من بربر وخالد الحجاز، وبنو عقيل من كدر، وبنو رميم، وبنو حي، وقران، والسراجون. ويأتيهم من البرية من عربه غالب، وآل أجود، والبطنين، وساعدة؛ ومن بني خالد آل جناح، والصبيات من مياس، والحبور، والدغم، والقرسة، وآل منيحة، وآل بيوت، والعامرة، والعلجات من خالد، وآل يزيد من عابد، والدوامر، إلى غير هؤلاء ممن يخالفهم في بعض الأحيان. قال المقر الشهابي بن فضل الله: على أني لا أعلم في وقتنا من لا يؤثر صحبتهم ويظهر محبتهم. وسيأتي ذكر قبائل أكثر هذه العربان التي تنضاف إليهم في مواضعها إن شاء الله تعالى.
قال في مسالك الأبصار: وأسعد بيت في وقتنا آل عيسى، وقد صاروا بيوتاً: بيت مهنا بن عيسى، وبيت فضل بن عيسى، وبيت حارث بن عيسى، وأولاد محمد بن عيسى، وأولاد حديثة بن عيسى، وآل هبة بن عيسى. قال: وهؤلاء آل عيسى في وقتنا هم ملوك البر فيما بعد واقترب، وسادات الناس ولا تصلح إلا عليهم العرب.
وأما الإمرة عليهم فقد جرت العادة أن يكون لهمأمير كبير منهم يولى من الأبواب السلطانية، ويكتب له تقليدٌ شريف بذلك، ويلبس تشريفاً أطلس أسوة النواب إن كان حاضراً، أو يجهز إليه إن كان غائباً؛ ويكون لكل طائفة منهم كبيرٌ قائم مقام أمير عليهم، وتصدر إليه المكاتبات من الأبواب الشريفة إلا أنه لا يكتب له تقليدٌ ولا مرسوم. قال في مسالك الأبصار: ولم يصرح لأحد منهم بإمرة على العرب بتقليد من السلطان إلا من أيام العادل أبي بكر: أخي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، أمر منهم حديثة يعني ابن عقبة بن فضل بن ربيعة، والذي ذكره قاضي القضاة ولي الدين بن خلدون في تاريخه أن الإمرة عليهم في أيام العادل أبي بكر بن أيوب كانت لعيسى بن محمد بن ربيعة، ثم كان بعده ماتع ابن حديثة بن عقبة بن فضل، وتوفي سنة ثلاثين وستمائة، وولي عليهم بعده ابنه مهنا، وحضر مع المظفر قطز قتال هولاكو ملك التتار وانتزع سليمة من المنصور ابن المظفر صاحب حماة وأقطعها له؛ ثم ولى الظاهر بيبرس عند مسيره إلى دمشق لتشييع الخليفة المستعصم إلى بغداد عيسى بن مهنا بن ماتع ووفر له الإقطاعات على حفظ السابلة وبقي حتى توفي سنة أربع وثمانين وستمائة؛ فولى المنصور قلاوون مكانه ابنه مهنا بن عيسى، ثم سافر الأشرف خليل بن قلاوون إلى الشام فوفد عليه مهنا بن عيسى في جماعة من قومه فقبض عليهم، وبعث بهم إلى قلعة الجبل بمصر فاعتقلوا بها وبقوا في السجن حتى أفرج عنهم العادل كتبغا عند جلوسه على التخت سنة أربع وتسعين وستمائة ورجع إلى إمارته؛ ثم كان له في أيام الناصر بن قلاوون نصرةٌ واستقامة تارة وتارة، وميلٌ إلى التتر بالعراق، ولم يحضر شيئاً من وقائع غازان؛ ووفد أخوه فضل بن عيسى على السلطان الملك الناصر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة فولاه مكانه وبقي مهنا مشرداً، ثم لحق سنة ست عشرة بخدابندا ملك التتار بالعراق فأكرمه وأقطعه بالعراق وهلك خدابندا في تلك السنة فرجع مهنا إلى الشام، وبعث ابنيه محمداً وموسى وأخاه محمد بن عيسى إلى الملك الناصر، فأكرمهم وأحسن إليهم، ورد مهنا إلى إمارته وإقطاعه؛ ثم رجع إلى موالاة التتر فطرد السلطان الملك الناصر آل فضلٍ بأجمعهم من الشام وجعل مكانهم آل علي، وولى منهم على أحياء العرب محمد بن أبي بكر بن علي، وصرف إقطاع مهنا وأولاده إليه وإلى أولاده، وأقام الحاسب على ذلك مدة. ثم وفد مهنا على السلطان الملك الناصر صحبة الأفضل بن المؤيد صاحب حماة فرضي عنه السلطان وأعاد إمرته إليه ورجع إلى أهله، فتوفي سنة أربع وثلاثين وسبعمائة؛ وولي مكانه أخوه سليمان فبقي حتى توفي سنة أربع وأربعين وسبعمائة عقب موت الملك الناصر؛ وولي مكانه أخوه سيف بن فضل فبقي حتى عزله السلطان الملك الكامل شعبان بن قلاوون سنة ست وأربعين، وولى مكانه أحمد بن مهنا بن عيسى فبقي حتى توفي في سنة سبع وأربعين وسبعمائة في سلطنة الناصر حسن بن محمد بن قلاوون المرة الأولى؛ وولي مكانه أخوه فياض فبقي حتى مات سنة ستين وسبعمائة، وولي مكانه أخوه جبار من جهة الناصر حسن في سلطنته الثانية، ثم حصلت منه نفرة في سنة خمس وستين وسبعمائة وأقام على ذلك سنتين إلى أن تكلم بسببه مع السلطان نائب حماة يومئذ فأعيد إلى إمارته؛ ثم حصل منه نفرة ثانية سنة سبعين في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين فولى مكانه ابن عمه زامل بن موسى بن عيسى فكانت بينهم حروبٌ، قتل في بعضها قشتمر المنصوري نائب حلب فصرفه الأشرف وولى مكانه ابن عمه معيقل بن فضل بن عيسى، ثم بعث معيقل في سنة إحدى وسبعين يستأمن لجبار المتقدم ذكره من السلطان الملك الأشرف فأمنه، ووفد جبار على السلطان في سنة خمس وسبعين فرضي عنه وأعاده إلى إمرته فبقي حتى توفي سنة سبع وسبعين، فولي مكانه أخوه قنارة، وبقي حتى مات سنة إحدى وثمانين، فولي مكانه معيقل بن فضل بن عيسى وزامل بن موسى بن عيسى المتقدم ذكرهما شريكين في الإمارة؛ ثم عزلا في سنتهما وولي مكانهما محمد بن جبار بن مهنا وهو نعبر، ثم وقعت منه نفرة في الدولة الظاهرية برقوق، فولى مكانه بعض آل زامل، ثم أعيد نعير المذكور إلى إمرته وهو باق على ذلك إلى الآن، وهو محمد بن جبار بن مهنا بن عيسى بن مهنا ابن ماتع بن حديثة بن عقبة بن فضل بن ربيعة.
وقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار أمراء آل فضل في زمانه، فذكر أن أمير آل عيسى وسائر آل فضلٍ أحمد بن مهنا؛ وأمير بيت فضل ابن عيسى سيف بن فضل؛ وأمير بيت حارث بن عيسى قناة بن حارث. ثم قال: أما أولاد محمد بن عيسى، وأولاد حديثة بن عيسى، وآل هبة بن عيسى فأتباع.
وذكر القاضي تقي الدين بن ناظر الجيش في التثقيف: أنهم صاروا بيتين: وهما بيت مهنا بن عيسى وفضل بن عيسى. وذكر من أكابرهم عساف بن مهنا وأخاه عنقا، وزامل بن موسى بن مهنا، ومحمد بن جبار وهو نعير قيل الإمرة، وعواد بن سليمان بن مهنا، وعلي بن سليمان بن مهنا؛ وأما بنو فضل بن عيسى فذكر منهم فضل بن عيسى، ومعيقل بن فضل، وقال: كان قبلهما سيف وأبو بكر.
ثم قال: وممن لم يكاتب أولاد فياض وبقية أولاد جبار ورقيبة بن عمر بن موسى ونحوهم.
الفخذ الثاني- من آل ربيعة آل مرا- نسبة إلى مرا بن ربيعة، وهو أخو فضل المتقدم ذكره. قال في التعريف: ومنازلهم حوران. وقال في مسالك الأبصار: ديارهم من بلاد الجيدور والجولان إلى الزرقاء والضليل إلى بصرى، ومشرقاً إلى الحرة المعروفة بحرة كشت قريباً من مكة المعظمة إلى شعباء إلى نيران مزيد إلى الهضب المعروف بهضب الراقي، وربما طاب لهم البر وامتد بهم المرعى أوان خصب الشتاء فتوسعوا في الأرض وأطالوا عدد الأيام والليالي حتى تعود مكة المعظمة وراء ظهورهم، ويكاد سهيلٌ يصير شامهم، ويصيرون مستقبلين بوجوههم الشام. وقد تشعب آل مرا أيضاً شعباً كثيرة، وهم آل أحمد بن حجي وفيهم الإمرة، وآل مسخر، وآل نمي، وآل بقرة، وآل شماء.
وممن ينضاف إليهم ويدخل في غمرة أمرائهم حارثة، والحاص، ولامٌ، وسعيدة، ومدلجٌ، وقرير، وبنو صخر، وزبيد حوران: وهم زبيد صرخد، وبنو غني، وبنو عز قال: ويأتيهم من عرب البرية آل طفير، والمفارجة، وآل سلطان، وآل غزي، وآل برجس، والخرسان، وآل المغيرة، وآل أبي فضيل، والزراق، وبنو حسين الشرفاء، ومطين، وخثعم، وعدوان، وعنزة. قال: وآل مرا أبطال مناجيد، ورجال صناديد، وأقيال قل: {كونوا حجارةً أو حديداً}، لا يعد معهم عنترة العبسي، ولا عرابة الأوسي، إلا أن الحظ لحظ بني عمهم مما لحظهم، ولم تزل بينهم نوب الحرب، ولهم في أكثرها الغلب. قال الشيخ شهاب الدين أبو الثناء محمود الحلبي رحمه الله: كنت في نوبة حمص في واقعة التتار جالساً على سطح باب الإصطبل السلطاني بدمشق إذا أقبل آل مرا زهاء أربعة آلاف فارس شاكين في السلاح على الخيل المسومة، والجياد المطهمة، وعليهم الكزغندات الحمر الأطلس المعدني، والديباج الرومي، وعلى رؤوسهم البيض، مقلدين بالسيوف، وبأيديهم الرماح كأنهم صقور على صقور، وأمامهم العبيد تميل على الركائب، ويرقصون بتراقص المهارى، وبأيديهم الجنائب، التي إليها عيون الملوك صورا؛ ووراءهم الظعائن والحمول، ومعهم مغنية لهم تعرف بالحضرمية طائرة السمعة، سافرة من الهودج وهي تغني:
وكنا حسبنا كل بيضاء شحمةً ** ليالي لاقينا جذاماً وحميرا

ولما لقينا عصبةً تغلبيةً ** يقودون جرداً للمنية ضمرا

فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه ** ببعض أبت عيدانه أن تكسرا

سقيناهم كأساً سقونا بمثله ** ولكنهم كانوا على الموت أصبرا

وكان الأمر كذلك، فإن الكسرة أولاً كانت على المسلمين ثم كانت على المسلمين ثم كانت لهم الكرة على التتار، فسبحان منطق الألسنة ومصرف الأقدار.
الفخذ الثالث من آل ربيعة آل علي- وهم فرقة من آل فضل المقدم ذكرهم ينتسبون إلى علي بن حديثة بن عقبة بن فضل بن ربيعة. قال في مسالك الأبصار: وديارهم مرج دمشق وغوطتها، بين إخوتهم آل فضل وبني عمهم آل مرا، ومنتهاهم إلى الحوف والجبابنة، إلى السكة، إلى البرادع. قال في التعريف: وإنما نزلوا غوطة دمشق حيث صارت الإمرة إلى عيسى بن مهنا وبقي جار الفرات في تلابيب التتار. قال في مسالك الأبصار: وهم أهل بيت عظيم الشأن مشهور السادات، إلى أموال جمة ونعم ضخمة ومكانة في الدول علية. وأما الإمرة عليهم فقد ذكر في مسالك الأبصار أنه كان أميرهم في زمانه رملة بن جماز بن محمد بن أبي بكر بن علي بن حديثة بن عقبة بن فضل بن ربيعة. ثم قال: وقد كان جده أميراً ثم أبوه. قلد الملك الأشرف خليل بن قلاوون جده محمد بن أبي بكر إمرة آل فضل، حين أمسك مهنا بن عيسى. ثم تقلدها من الملك الناصر أخيه أيضاً حين طرد مهنا وسائر إخوته وأهله. قال: ولما أمر رملة كان حدث السن فحسده أعمامه بنو محمد بن أبي بكر، وقدموا على السلطان بتقادمهم وتراموا على الأمراء، وخواص السلطان، وذوي الوظائف فلم يحضرهم السلطان إلى عنده ولا أدنى أحداً منهم، فرجعوا بعد معاينة الحين، بخفي حنين؛ ثم لم يزالوا يتربصون به الدوائر وينصبون له الحبائل والله تعالى يقيه سيئات ما مكروا حتى صار سيد قومه؛ وفرقد دهره، والمسود في عشيرته، المبيض لوجوه الأيام بسيرته. وله إخوة ميامين كبرا، هم أمراء آل فضل وآل مرا. وقد ذكر القاضي تقي الدين بن ناظر الجيش في التثقيف: أن الأمير عليهم في زمانه في الدولة الظاهرية برقوق كان عيسى بن زيد بن جماز.
البطن الثانية: جرم بفتح الجيم وسكون الراء المهملة:
قال الحمداني: واسمه ثعلبة وجرم اسم أمه، وقد تقدم ذكر نسبه في الكلام على ما يحتاج إليه الكاتب في المقالة الأولى. قال في مسالك الأبصار: وهم ببلاد غزة والداروم مما يلي الساحل إلى الجبل وبلد الخليل عليه السلام. قال الحمداني: وجرمٌ المذكورة شمجان، وقمران، وجيان. قال: والمشهور منهم الآن جذيمة، ويقال إن لهم نسباً في قريش، وزعم بعضهم أنها إلى مخزوم. وقال آخرون: بل من جذيمة بن مالك بن حنبل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر. ثم قال: وجذيمة هذه هم آل عوسجة، وآل أحمد، وآل محمود، وكلهم في إمارة شاور بن سنان ثم في بنيه، وكان لسنان المذكور أخوان فيهما سوددٌ: وهما غانم وخضر. ومن جذيمة جابع الرايديين. وبنو أسلم، ويقال إن أسلم من جذام لا من جذيمة ولكنها اختلطت بها؛ ومن جذيمة أيضاً شبل، ورضيعة جرم ونيفور، والقذرة، والأحامدة، والرفثة وكور جرم، وموقع، وكان كبيرهم مالك الموقعي؛ وكان مقدماً عند السلطان صلاح الدين بن أيوب وأخيه العادل؛ ومنهم بنو غور، ويقال إنهم من جرم بن جرمز من سنبس؛ ومن هؤلاء العاجلة، والضمان، والعبادلة، وبنو تمام، وبنو جميل؛ ومن بني جميل بنو مقدام؛ ومن بني غور آل نادر؛ ومن بني غوث بنو بها، وبنو خولة، وبنو هرماس، وينو عيسى، وبنو سهيل.
وأرضهم الداروم، وكانوا سفراء بين الملوك، وجاورهم قوم من زبيد يعرفون ببني فهيد ثم اختلطوا بهم. قال الحمداني: فهذه جرم الشام وحلفاؤهم، ومن جاورهم ولاذ بهم.
وأما الغمرة عليهم، فقد ذكر في التعريف أن الإمرة على عرب غزة في زمانه كانت لفضل بن حجي، وعرب غزة هم جرمٌ المذكورون، والمعروف أن جرماً يكون لهم مقدم لا أمير. وعليه جرى القاضي تقي الدين بن ناظر الجيش في التثقيف وذكر أن مقدمهم في زمانه في الدولة الظاهرية برقوق كان علي بن فضل.
البطن الثالثة: ثعلبة من طيىء أيضاً:
قال في مسالك الأبصار: وديارهم مما يلي مصر إلى الخروبة. وقد تقدم في سياقة الكلام على جرم أن ثعلبة هذه من بقايا ثعلبة المنتقلين إلى مصر، وتقدم في الكلام على عرب الديار المصرية أن ثعلبة الذين ينسبون إليه ثعلبة بن سلامان، وأن سلامان بطن من بطون طييء، وأن ثعلبة المذكورين بطنان: وهما درما وزريق ابنا عوف بن ثعلبة وقيل ابنا عوف بن ثعلبة وقيل ابنا ثعلبة لصلبه، وأن اسم درما عمرو، ودرما اسم أمه فغلب عليه، وأن من درما الجواهرة والحنابلة والصبيحيين. قال الحمداني: وثعلبة الشام من درما آل غياث الجواهرة ومن الحنابلة ومن بني وهم من الصبيحيين، ومن أحلافهم فرقةٌ من النعيميين ومن العار والجمان؛ وتقدم في الكلام على ثعلبة مصر أيضاً أن بكل من ثعلبة مصر والشام قوماً من خندف وقيس ومراد ويمن.
قلت: ولم يكن في التعريف ولا التثقيف لثعلبة المذكورين ذكر لعدم من يكاتب منهم إذ لم يكونوا في معنى من تقدم.
البطن الرابعة: بنو مهدي بفتح الميم وسكون الهاء والدال المهملة:
قد تقدم في الكلام على عرب الديار المصرية أنهم أخو لخم وهو جذام بن عدي بن عمرو بن سبإٍ من العرب العاربة، إما من عمرو بن سبإٍ من القحطانية كما يقتضيه كلام مسالك الأبصار وإما من عذرة من قضاعة من حمير بن سبإٍ من القحطانية أيضاً كما صرح به في التعريف. قال في التعريف: ومنازلهم البلقاء. وقال في مسالك الأبصار: منازلهم البلقاء إلى باير إلى الصوان، إلى علم أعفر. قال الحمداني: ومن بني مهدي المشاطبة الذين منهم أولاد عسكر، والعناترة، والنترات، واليعاقبة، والمطارنة، والعفير، والرويم، والقطاربة، وأولاد الطائية وبنو دوس، وآل يسار، والمخابرة، والسماعة، والعجارمة من بني طريف، وبنو خالد والسلمان والقرانسية والدرالات والحمالات والمساهرة والمغاورة، وبنو عطا، وبنو مياد وآل شبل، وآل رويم، وهم غير الرويم المتقدم ذكرهم، والمحارقة وبنو عياض؛ ومنهم طائفة حول الكرك يأتي ذكرهم في الكلام على عرب الكرك. قال الحمداني: ويجاورهم بالبلقاء طائفة من حارثة ولهم نسب بقرى بني عقبة.
وأما الإمرة عليهم فقد ذكر في التعريف أن إمرتهم مقسومة في أربعة منهم، لكل واحد منهم الربع، ولم يسم أمراء زمانه منهم. وذكر في التثقيف مثل ذلك، وسمى أمراءهم في زمانه. فقال: وهم بر بن ذئب بن محفوظ العنبسي، وسعيد بن بحري بن حسن العنبسي، وزامل بن عبيد بن محفوظ العنبسي، ومحمد ابن عباس بن قاسم بن راشد العسري.
البطن الخامسة: زبيد بضم الزاي:
قال في مسالك الأبصار: وهم فرق شتى. وذكر من بالشام وغيره ولم يتعرض انسبهم في أي أحياء العرب. وذكر الجوهري أن زبيداً اسم قبيلة، ولم يزد على ذلك. قلت: والموجود في كتب التاريخ عد زبيدٍ من بطون سعد العشيرة من مذحج بن كهلان بن سبإٍ من العرب العاربة، وهم عرب اليمن على ما تقدم ذكره. وقد ذكر في مسالك الأبصار أن بالشام منهم فرقةً بصرخد، وفرقةً بغوطة دمشق. وذكر في التعريف منهم زبيد المرج وزبيد حوران وزبيد الأحلاف. وذكر مثله في التثقيف. ومقتضى الجمع بين كلامه في المسالك والتعريف، أن تكون زبيدٌ خمس فرق: زبيد المرج، وزبيد الغوطة، وزبيد صرخد، وزبيد حوران، وزبيد الأحلاف وليس كذلك، بل زبيد الغوطة وزبيد المرج واحدة، فإن المراد غوطة دمشق ومرجها، وهما متصلان والنازلون فيهما كالفرقة الواحدة، وزبيد صرخد هي زبيد حوران كما صرح به في موضع آخر من مسالك الأبصار، إذ صرخد من جملة بلاد حوران. أما زبيد الأحلاف فديارهم بالقرب من الرحبة بجوار آل فضل. قال الحمداني: والذين بصرخد منهم آل مياس، وآل صيفي، وآل برة، وآل محسن، وآل جحش، وآل رجاء. والذين بالمرج والغوطة آل رجاء، وآل بدال، والدوس، والحريث، وهم في عداد آل ربيعة المتقدم ذكرهم وذكر معهم المشارقة جيرانهم. ثم قال: وإمرة زبيد هؤلاء في نوفل، وليس للمشارقة إمرة، ولكن لهم شيوخ منهم؛ وأمر الفريقين إلى نواب الشام ليس لأحد من أمراء العرب عليهم إمرة؛ وديارهم متصلة في المرج والغوطة إلى أم أوعال إلى الدريشدان؛ وعليهم الدرك وحفظ الأطراف.
وأما العرب المستعربة، وهم بنو إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، على ما تقدم بيانه في الكلام على عرب الديار المصرية، فالمشهور بأعمال دمشق منهم قبيلة واحدة، وهم بنو خالد عرب حمص. قال الحمداني: وهم يدعون النسب إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه، وقد أجمع أهل العلم بالنسب على انقراض عقبه قال في مسالك الأبصار: ولعلهم من ذوي قرابته من مخزوم، وكفاهم ذلك فخاراً أن يكونوا من قريش. وقد تقدم ذكر نسب مخزوم من قريش في الكلام على بني خالد في جملة عرب الديار المصرية فأغنى عن إعادته هنا.
قلت: ومن جملة من عده في التعريف من عرب الشام غزية، ولم يتحرر لي هل هي من العرب العاربة أو العرب المستعربة فلذلك ذكرتها بمفردها.
وقد ذكر الحمداني أنهم متفرقون في الشام والحجاز وبغداد، وفيما بين العراق والحجاز، ولم يذكر واحد منهما منازلهم من الشام، بل ذكر الحمداني منازلهم بالبرية والعراق خاصةً، وقال: وهم بطون وأفخاذ، ولهم مشايخ منهم من وفد على السلاطين في زماننا، وأشار في التعريف إلى أن الغالب عليهم عدم الطاعة، ومنهم أحلاف لآل فضل قد تقدم ذكرهم وهم غالبٌ وآل أجود والبطنين، وسأذكرها ببطونها ومنازلها ومياهها من البرية في جملة عرب الحجاز.
النيابة الثانية من نيابات السلطنة بالممالك الشامية: نيابة حلب:
وفيها جملتان:
الجملة الأولى في ذكر أحوالها في المعاملات ونحوها:
أما الأثمان المتعامل بها من الدنانير والدراهم والصنجة، فعلى ما تقدم في دمشق من غير فرق، ولم ترج الفلوس الجدد فيها إلى الآن وإنما يتعامل فيها بالفلوس القديمة، ورطلها سبعمائة وعشرون درهماً، وأواقية اثنتا عشرة أوقية، كل أوقية ستون درهماً، وفي أعمالها ربما زاد الرطل على ذلك؛ وتعتبر مكيالها بالمكوك في حاضرتها وسائر أعمالها؛ والمكوك المعتبر في حاضرتها سبع ويبات بالكيل المصري، وأما في نواحيها وبلادها، فيختلف اختلافاً متبايناً في الزيادة والنقص. قال في مسالك الأبصار: والمعتدل منها أن يكون كل مكوكين ونصفٍ غرارةً، وما بين ذلك كل ذلك تقريباً؛ ويقاس القماش بها بذراعٍ يزيد على ذراع القماش المصري سدس ذراع، وهو أربعة قراريط؛ وتعتبر أرض دورها بذراع العمل كما في الديار المصرية وأرض زراعتها بالفدان الإسلامي والفدان الرومي كما في دمشق، وخراج أرض الزراعة بها كما في دمشق؛ وأسعارها على نحو سعر دمشق إلا أن الفواكه فإنها في دمشق أرخص لكثرتها بها.
الجملة الثانية في ترتيب مملكتها:
وهي على ضربين:
الضرب الأول: ترتيب حاضرتها:
أما جيوشها فعلى ما تقدم في دمشق من اشتمال عسكرها على الترك والجركس والروم والروس وغير ذلك من الأجناس المشابهة للترك، وانقسامها إلى الأمراء المقدمين والطبلخانات والعشرات ومن في معناهم من العشرينات والخمسات، وكذلك أجناد الحلقة ومقدومها؛ وإقطاعاتها على نحو ما تقدم في دمشق في المقدار؛ وربما زاد إقطاع الحلقة بها على إقطاع الحلقة بالديار المصرية بخلاف إقطاعات الأمراء بها فإنها لا تساوي إقطاعات الأمراء بالديار المصرية.
وأما وظائفها فعلى أربعة أصناف.
الصنف الأول: أرباب السيوف:
وهي عدة وظائف، منها نيابة السلطنة:
وهي نيابة جليلة في الرتبة الثانية من نيابة دمشق، ويعبر عنها في ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة بنائب السلطنة الشريفة، ولا يقال فيه كافل السلطنة كما يقال لنائب دمشق، ويكتب عن نائبها التواقيع الكريمة بأكثر وظائف حلب وأعمالها، وكذلك يكتب عنه المربعات الجيشية بالديار المصرية، والمناشير الإقطاعية على حكمها كما تقدم في دمشق، وكذلك يكتب على كل ما يتعلق بنيابته من المناشير والتواقيع والمراسيم الشريفة بالاعتماد، ويزيد على نائب دمشق بسرحتين يسرحهما للصيد، الأولى منها يسرحها في بلاد حلب من جانب الفرات الغربي يتصيد فيها الغزلان، يقيم فيها نحو عشرة أيام؛ والثانية وهي العظمى يعبر فيها الفرات إلى بر الجزيرة شرقي الفرات، وينتقل في نواحيها مما هو داخل في مملكة الديار المصرية وما حولها، يتصيد فيها الغزلان وغيرها من سائر الوحوش، ويقيم بها نحو شهر.
ومنها نيابة القلعة بحلب وهي نيابة منفردة عن نيابة السلطنة بها، وليس لنائب السلطنة على القلعة ولا على نائبها حكم كما تقدم في قلعة دمشق، وعادة نائبها أن يكون أمير طبلخاناه، وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف، وفيها من الأجناد البحرية المعدين لحراستها نحو أربعين نفساً، مقيمون بها لا يظعنون عنها بسفر ولا غيره، يجلس منهم في كل نوبة عدة في الباب الثاني منها من حين فتح الباب في أول النهار وإلى حين قفله في آخر النهار، وبها الحرس في الليل، وضرب الطبلة على مضي كل أربع درج كما تقدم في قلعة دمشق.
ومنها الحجوبية والعادة أن يكون بها أربعة حجاب. أحدهم مقدم ألف: وهو حاجب الحجاب، ويعبر عنه في ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة في المكاتبات وغيرها بأمير حاجب بحلب كحاجب الحجاب بدمشق، وهو ثاني نائب السلطنة في الرتبة ولا يدخل أحد دار النيابة راكباً غير النائب وغيره، وهو نائب الغيبة إذا خرج نائب السلطنة في مهم أو متصيد أو غير ذلك؛ وإليه ترد المراسيم السلطانية بقبض نائب السلطنة إذا أراد السلطان القبض عليه، ويكون هو المتصدي لحال البلد إلى أن يقام لها نائبٌ؛ والثلاثة الباقون إما ثلاث طبلخانات، أو طبلخانتان وعشرة، وأما ما في معنى ذلك، وولاية حاجب الحجاب والحاجب الثاني من الأبواب الشريفة السلطانية بغير تقليد ولا مرسوم، ومن عداهما ولايته عن نائب حلب، وفيها اثنان واحد بالميمنة وواحد بالميسرة، فالذي في الميمنة في الغالب يكون أمير عشرة وربما كان أمير خمسة، والذي بالميسرة جندي من أجناد الحلقة، وولايتهما عن النائب كل منهما بتوقيع كريم.
ومنها شد الأوقاف وهي بها رتبةٌ جليلة أعلى من شد الأوقاف بدمشق، وعادتها تقدمة ألف أو طبلخاناه، تولى من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف، كذا أخبرني بعض أهلها؛ ومتوليها يتحدث على سائر أوقاف المملكة الحلبية.
ومنها المهمندارية وموضوعها على ما تقدم في الديار المصرية ودمشق، وبها اثنان: فأحدهما تارة يكون أمير طبلخاناه وتارة يكون أمير عشرة، والآخر جندي حلقة، وولاية كل منهما بكل حال عن النائب بتوقيع كريم.
ومنها شد الدواوين وموضوعها كما تقدم في الديار المصرية ودمشق، وعادته إمرة عشرة، وربما وليها جندي، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم.
ومنها شد مراكز البريد وموضوعها كما تقدم في دمشق، وإعادتها إمرة عشرة، وربما كان مقدم حلقة أو جندياً، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم.
ومنها ولاية المدينة وموضوعها التحدث في الشرطة كما تقدم في الديار المصرية ودمشق، وعادتها إمرة عشرة، وربما وليها مقدم حلقة، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم.
ومنها شد الأقواد وموضوعها التحدث على الأموال التي تساق قوداً من المملكة في كل سنة، وعادتها إمرة عشرة، وربما وليها مقدم حلقة، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم.
قلت: وسائر وظائف الأمراء أرباب السيوف المستقر مثلهم بالحضرة السلطانية كرأس نوبة وأمير مجلس ومن في معناهما ممن يجري هذا المجرى المختص بالنائب يكون له مثلها من أجناده لقيامه مقام السلطان هناك كما تقدم في دمشق.
وأما الوظائف الديوانية بها لأرباب الأقلام: فمنها- الوزارة- ويعبر عنها في ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة بنظر المملكة ليس إلا، ولا يصرح له باسم الوزارة بحال، وإن كان الجاري على ألسنة العامة تلقيب متوليها بالوزير، ولم تجر العادة بأن يتولاها إلا أرباب الأقلام، وولايتها من الأبواب الشريفة السلطانية بتوقيع شريف؛ ولديوان هذا النظر عدة مباشرين أتباعٌ لناظرها كصاحب الديوان والمستوفي والكتاب والشهود وسائر فروع الوزارة، والنائب يولي كلاً من هؤلاء المباشرين بتواقيع كريمة.
ومنها كتابة السر ويعبر عن متوليها في ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة بصاحب ديوان المكاتبات بحلب، ولا يسمح له بصاحب ديوان الإنشاء بحلب كما في دمشق، وولايته من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف؛ وبديوانه كتاب الدست وكتاب الدرج كما في دمشق والديار المصرية.
ومنها نظر الجيش والحكم فيه كما تقدم في دمشق من كتابة المربعات بما يعينه النائب من الإقطاعات وتجهيزها للأبواب الشريفة لتشمل بالخط الشريف وتخلد شاهداً بديوان الجيوش بالديار المصرية، وكذلك إثبات ما يصدر إليه من المناشير من الأبواب الشريفة؛ وولايته من الأبواب الشريفة.
ومنها نظر المال وهو بمعنى الوزارة كما في دمشق إلا أنه لا يطلق على متوليه وزير البتة، وولايته من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف. ولديوانه كتاب اتباعٌ له: كصاحب الديوان والكتاب والشهود وغيرهم؛ وولاية كل منهم عن النائب بتواقيع لهم كما في دمشق.
ومنها نظر الأوقاف وحكمها التحدث على الأوقاف بمدينة حلب وأعمالها كما في دمشق؛ وولايتها عن النائب بتوقيع كريم.
ومنها نظر الجامع الكبير ومتوليها يكون رفيقاً للنائب في التحدث فيه؛ وولايتها عن النائب بتوقيع كريم.
ومنها نظر البيمارستان وقد تقدم في الكلام على مدينة حلب أن بها بيمارستانين أحدهما يعرف بالعتيق والآخر بالجديد، ولكل منهما ناظر يخصه؛ وولاية كل منهما عن النائب بتوقيع كريم.
ومنها نظر الأقواد ومتوليها يكون رفيقاً لشاد الأقواد المتقدم ذكره في أرباب السيوف، وولايته عن النائب بتوقيع كريم.
الصنف الثاني: الوظائف الدينية:
فمنها القضاء وبها أربعة قضاة من المذاهب الأربعة كما في دمشق، إلا أن استقرار الأربعة بها كان بعد استقرارها بدمشق، وولاية كل منهم من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف. ويختص الشافعي منهم بعموم تولية النواب بالمدينة وجميع أعمالها، ويقتصر من عداه على التولية في المدينة خاصة كما تقدم في دمشق والديار المصرية.
ومنها قضاء العسكر وبها قاضيا عسكر: شافعي وحنفي كما في دمشق؛ وولايتها من الأبواب الشريفة، ويكتب لكل منهما توقيع شريف.
ومنها إفتاء العدل وبها اثنان أيضاً: شافعي وحنفي كما في دمشق؛ وولاية كل منهما عن النائب بتوقيع كريم.
ومنها وكالة بيت المال وولايتها من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف، ووكالته عن السلطان بمصر مثبوتة فتنفذ بالمملكة كما تقدم في دمشق.
ومنها نقابة الأشراف والأمر فيها على ما تقدم في دمشق والديار المصرية، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم.
ومنها مشيخة الشيوخ والحكم فيها كما في دمشق؛ وعادتها أن يكون متوليها هو شيخ الخانقاه المعروفة بالقديم؛ وولايتها عن النائب بتوقيع كريم، وربما كانت من الباب الشريف.
ومنها الحسبة وهي على ما تقدم في دمشق والديار المصرية؛ وولايتها عن النائب بتوقيع كريم؛ ومتوليها يولي نواب الحسبة بسائر الأعمال الحلبية.
ومنها الخطابة بالجامع الكبير وولايتها عن النائب بتوقيع كريم.
ومنها التداريس والتصادير المعدوقة بنظر النائب وولايتها بتواقيع كريمة على قدر مراتب أصحابها.
الصنف الثالث: وظائف أرباب الصناعات:
فمنها رياسة الطب، ورياسة الكحالين، ورياسة الجرائحية كما في دمشق والديار المصرية؛ وولاية كل منهم بتوقيع كريم عن النائب. أما مهتارية البيوت ومن في معناهم فمفقودون هناك لفقد البيوت السلطانية، وإنما مهتارية البيوت بها للنائب خاصةً لقيامه مقام السلطان بها كما في دمشق.
وأما ترتيب النيابة بها فعلى نحو ما تقدم في دمشق؛ وعادة النائب بها أن يركب في الموكب في يومي الاثنين والخميس من دار النيابة، ويخرج من بابٍ يقال له باب القوس، في وسط البلد على القرب من القلعة، ويمر منه إلى سوق الخيل، ويخرج من سور البلد من باب النيرب، ويتوجه إلى مكان يعرف بالميدان ويعرف بالقبة أيضاً على القرب من المدينة بطريق القرية المعروفة بجبريل، في جهة الجنوب عن المدينة، ثم يعود من حيث ذهب، وقد وقف الأمراء في انتظاره بسوق الخيل، وآخر خيولهم إلى القلعة ورؤوس خيولهم إلى الجهة التي يعود منها أمراء الخمسات، ثم أمراء العشرات ومن في معناهم على ترتيب منازلهم، ثم أمراء الطبلخانات، ثم الأمراء المقدمون. فإذا حاذى النائب في عوده أمراء الخمسات والعشرات في طريقه، سلم وهو سائر فيسلمون عليه وهم وقوف في أمكنتهم لا يتحركون ولا يبرحون عنها. فإذا حاذى أمراء الطبلخانات، سلم عليهم فيتقدمون بخيولهم إليه نحو قصبتي قياس فيسلمون عليه ثم يعودون إلى أمكنتهم فيقفون فيها. فإذا حاذى الأمراء المقدمين سلم عليهم فيفعلون كما فعل أمراء الطبلخانات من التقدم إليه والسلام عليه ثم يعودون إلى أمكنتهم، ويمر النائب حتى ينتهي إلى آخر سوق الخيل فيعطف رأس فرسه ويقف مستقبلاً للجهة التي عاد منها في الجنوب، والعسكر واقفون على حالهم، وينادى بينهم على العقارات من الأملاك والضياع وكذلك الخيل والسلاح قدر خمس درج، ثم يمر إلى دار النيابة: فإن كان ذلك الموكب فيه سماط، سار في خدمة إلى دار النيابة من كان معه في ركوب الموكب من الأمراء الأكابر والأصاغر من الحجاب وغيرهم؛ ويمر بباب القلعة وقد نزل نائب القلعة إلى بابها فوقف فيه مماليك في خدمته من الأجناد البحرية المقيمين بالقلعة، فإذا مر بهم النائب، سلم على نائب القلعة فيسلم عليه، ويطلع نائب القلعة إلى قلعته، ويمر النائب في طريقه إلى دار النيابة، ويكون مماليك النائب قد ترجلوا على خيولهم، ويترجل أمراء الخمسات والعشرات بعدهم، ثم يترجل الطبلخانات على القرب من دار النيابة، ثم الأمراء المقدمون على باب دار النيابة، كل منهم على قدر منزلته؛ ويستمر النائب راكباً حتى يأتي المقعد المذكور، وهو مقعد مربع مرتفع عن الأرض عليه قبة مرتفعة ودرابزين من خشب دائر، وفيه دكة من خشب صغيرةٌ في جانبه مرتفعةٌ عن المقعد قدر ذراع، تسع جالساً فقط معدة لجلوس النائب، فينز لا لنائب على باب من أبواب المقعد الثلاثة مخصوصٍ به، ويجلس حاجب الحجاب على مصطبةٍ لطيفة أعلى السلم خارج الدرابزين معدةٍ لجلوسه عن يمين النائب، ويكون القضاة الأربعة وقاضيا العسكر ومفتيا دار العدل وكاتب السر وكتاب الدست وناظر الجيش قد حضروا قبل حضور النائب وحاجب الحجاب وطلعوا من سلم مخصوص بهم وأخذوا مجالسهم وجلسوا في انتظار النائب، فإذا حضر قاموا وجلسوا بجلوسه، ويكون جلوسهم بترتيب خاص يوافق دمشق في بعض الأمور ويخالف في بعضها فيجلس عن يسار النائب قاضي القضاة الشافعي، ويليه قاضي القضاة الحنفي، ويليه قاضي القضاة المالكي، ويليه قاضي القضاة الحنبلي، ويليه قاضي العسكر الشافعي، ويليه قاضي العسكر الحنفي، ويليه مفتي دار العدل الشافعي، ويليه دار العدل الحنفي، ويليه الوزير صفاً مستقيماً، ويجلس كاتب السر أمام النائب على القرب منه، ويليه عن يمينه ناظر الجيش، ويليه كتاب الدست على ترتيب منازلهم حتى يساووا في المقابلة الصف الذي فيه قضاء القضاة ومن معهم، ويجلس باقي الموقعين بين الصفين مقابل حاجب الحجاب حتى يصلوهما فيصيرون كالحلقة المستديرة، ويقف الحجاب الصغار أسفل السلم الذي يصعد منه، وحاجب الحجاب ونقباء الجيش خلفهم، والولاة خلف نقباء الجيش. فإن كان الأمراء قد حضروا لأجل السماط، جلس المقدمون والطبلخاناه على مصاطب معدة لهم على القرب من المقعد الذي يجلس فيه النائب ومن معه من أرباب الأقلام المتقدمذكرهم، وترفع القصص فيتنأولها نقباء الجيش وينأولونها الحجاب فينأولونها لحاجب الحجاب فينأولها لكاتب السر فيفرقها على الموقعين ويبقي بعضها معه، فيقرأ ما معه ثم يقرأ من بعده على الترتيب إلى آخر الموقعين. فإذا انقضت قراءة القصص قام من المجلس القضاة ومن في معناهم وكتاب الدست فانصرفوا. فإذا انقضى المجلس، فإن كان في الموكب سماط قام النائب والأمراء من أماكن جلوسهم فدخلوا إلى قاعة عظيمة قد وضع بصدرها كرسي سلطنةٍ مغشىً بالحرير الأطلس الأصفر وعليه نمجاه مسندة إلى صدره كما تقدم في دمشق، وقد مد السماط السلطاني فيجلس النائب على رأس السماط والأمراء على ترتيب منازلهم في الإمرة والقدمة ويأكلون ويرفع السماط؛ ثم يقوم الأمراء فينصرفون؛ ويقوم النائب ومعه كاتب السر وناظر الجيش فيدخل إلى قاعة صغيرة فيها شباك مطل على دوار بإصطبل النائب، فيجلس في ذلك الشباك، ويجلس كاتب السر وناظر الجيش فينصرفان. سماط قام النائب والأمراء من أماكن جلوسهم فدخلوا إلى قاعة عظيمة قد وضع بصدرها كرسي سلطنةٍ مغشىً بالحرير الأطلس الأصفر وعليه نمجاه مسندة إلى صدره كما تقدم في دمشق، وقد مد السماط السلطاني فيجلس النائب على رأس السماط والأمراء على ترتيب منازلهم في الإمرة والقدمة ويأكلون ويرفع السماط؛ ثم يقوم الأمراء فينصرفون؛ ويقوم النائب ومعه كاتب السر وناظر الجيش فيدخل إلى قاعة صغيرة فيها شباك مطل على دوار بإصطبل النائب، فيجلس في ذلك الشباك، ويجلس كاتب السر وناظر الجيش فينصرفان.
قلت: ويخالف دمشق في أمور: أحدها أن كرسي السلطنة ليس بدار العدل حيث يجلس النائب والمتعممون كما في دمشق بل في مكان آخر.
الثاني أن الأمراء لا يجلسون مع النائب بدار العدل كما في دمشق بل في مكان منفرد.
الثالث أن النائب يجلس على دكة مرتفعة عن جلسائه بخلاف دمشق، فإنه يجلس مساوياً لهم، وكأن المعنى فيه جلوس الأمراء في مجلس النائب بحلب بخلاف دمشق.
الرابع أن الوزير بحلب يجلس في آخر صف القضاة ومن في معناهم تحت مفتيي دار العدل، وبدمشق يجلس في رأس صف يقابل كاتب السر، وكأن المعنى فيه أن كاتب السر بحلب يجلس أمام النائب فلو جلس الوزير فوقه لخالف قاعدة جلوس كاتب السر، أو جلس تحته لكان نقصاً في رتبته. ولا شك أنه يجلس فوقه القضاة ومن في معناهم لرفعة رتبة الشرع.
الخامس أن السماط بحلب لا يمد بدار العدل كما في دمشق بل في مكان آخر مخصوص.
السادس أن النائب بحلب له موضع مخصوص يجلس فيه للمحاكمات ومد السماط، وفي دمشق يجلس على طرف الإيوان بدار العدل بعد رفع السماط منه.
الجملة الثالثة في ترتيب ما هو خارج عن حاضرة حلب:
وهو ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ولاة الأمور من أرباب السيوف:
وهو ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: النواب:
وهم على ضربين:
الضرب الأول: ما هو داخل في حدود البلاد الشامية:
وهي إحدى عشرة نيابة:
الأولى- نيابة قلعة المسلمين المسماة في القديم بقلعة الروم- وعادة نائبها أن يكون مقدم ألف يولى من الأبواب السلطانية بمرسومٍ شريف.
الثانية- نيابة الكختا- ونيابتها تارة تكون طبلخاناه وتارة عشرة؛ وتوليتها من نائب حلب.
الثالثة- نيابة كركر- ونيابتها تارة طبلخاناه وتارة عشرة؛ وتوليتها من نائب حلب.
الرابعة- نيابة بهنسى- وقد ذكر في التثقيف ما يقتضي أن نيابتها طبلخاناه، لكن أخبرني بعض كتاب السر بحلب أنها ربما كانت تقدمة ألف. وقد ذكر في التعريف ما يقتضي ذلك فقال: ولنائبها مكانة جليلةٌ، وإن كان لا يلتحق بنائب البيرة؛ وبكل حال فتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسومٍ شريف.
الخامسة- نيابة عينتاب- وقد أوردها في التثقيف في جملة نيابات العشرات وذكر أنه رأى بخط ابن النشائي ما يقتضي أنها كانت طبلخاناه. وقد أخبرني بعض كتاب سر حلب أنها استقرت تقدمة ألف في أواخر الدولة الظاهرية برقوق، واستقرت توليتها من الأبواب السلطانية.
السادسة- نيابة الراوندان- وقد أوردها في التثقيف في جملة نيابات العشرات. وقد اخبرني بعض كتاب السر بحلب أنها استقر بها آخراً جندي؛ وتوليتها من نائب حلب.
السابعة- نيابة الدربساك- وقد أوردها في التثقيف في جملة العشرات. وأخبرني بعض كتاب سر حلب أنها ربما أضيفت لنائب بغراس الآتي ذكرها وأنها الآن بيد ابن صاحب الباز التركماني وتوليتها من نائب حلب.
الثامنة- نيابة بغراس- وقد أوردها في التثقيف في جملة العشرات؛ وولايتها من نائب حلب. وهي بيد أولاد داود الشيباني التركماني من تقادم السنين، وولايتها من نائب حلب.
التاسعة- نيابة القصير- وقد أوردها في التثقيف في جملة العشرات. وأخبرني بعض كتاب سر حلب أن بها الآن جندياً.
العاشرة- نيابة الشغر وبكاس- وقد أوردها في التثقيف في جملة العشرات. وقد أخبرت أنها استقر بها آخراً جندي، وتوليتها من نائب حلب.
الحادية عشرة- نيابة شيزر- كانت في الزمن المتقدم إمرة عشرة يستقل نائب حلب بتوليتها فلما تسلطت عليها العربان بعد وقعة منطاش والناصري استقرت تقدمةً بولاية من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف.
الضرب الثانية: النيابات الخارجة عن حدود البلاد الشامية:
وهي قسمان:
القسم الأول: بلاد الثغور والعواصم وما والاها:
والمعتبر فيها ثمان نيابات:
الأولى- نيابة ملطية- ونيابتها طبلخاناه، وتوليتها من الأبواب السلطانية.
الثانية- نيابة دبركي- وقد ذكر في التثقيف أنها تارة تكون طبلخاناه وتارة تكون عشرة، وبكل حال فولايتها من نائب حلب.
الثالثة درندة- ونيابتها في الغالب إمرة عشرة، وربما كانت طبلخاناه، وولايتها في الحالتين من نائب حلب.
الرابعة- نيابة الأبلستين- ونيابتها تقدمة ألف من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف.
الخامسة- نيابة آياس- وهي المعبر عنها بالفتوحات الجاهانية- ونيابتها تقدمة ألف، وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف.
السادسة- نيابة طرسوس- ونيابتها تقدمة ألف، وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف.
السابعة- نيابة أذنة- ونيابتها تقدمة ألف؛ وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف.
الثامنة- نيابة سرفندكار- ونيابتها إمرة عشرة، ووقع في التثقيف نقلاً عن ابن النشائي ما يقتضي أنها كانت أولاً طبلخاناه، وبكل حال فولايتها من نائب حلب.
التاسعة- نيابة سيس- وقد تقدم أن فتحها قريب في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين ولم تزل نيابتها منذ فتحت تقدمة ألف، وكانت قد جعلت نيابةً مستقلةً عند الفتح ثم جعلت بعد ذلك تقدمة عسكر كغزة إلا أن مقدم العسكر بها لا يكاتب في خلاص الحقوق بخلاف مقدم العسكر بغزة.
قلت: وبعد ذلك نيابات صغار يولي بها نائب حلب أجناداً، ولا مكاتبة لها من الأبواب السلطانية: وهي نيابة قلعة باري كروك، ونيابة كاروا، ونيابة كولاك، ونيابة كرزال، ونيابة كومي، ونيابة تل حمدون، ونيابة الهارونيتين، ونيابة قلعة نجمة، ونيابة حميمص، ونيابة قلعة لؤلؤة.
القسم الثاني: ما هو في حدود بلاد الجزيرة شرقي الفرات:
والمعتبر فيها ثلاث نيابات:
الأولى- نيابة البيرة- ونيابتها تقدمة ألف، وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف.
الثانية- نيابة قلعة جعبر- ونيابتها طبلخاناه، وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف.
الثالثة- نيابة الرها- قال في التثقيف: وقد جرت العادة أن تكون نيابتها طبلخاناه، ثم استقر بها في الدولة المنصورية في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة مقدم ألف.
الصنف الثاني: من أرباب السيوف في حلب:
الولاة وولاية جميعها من نائب حلب بتواقيع كريمة والمشهور منها اثنا عشرة ولاية الأولى- ولاية بر حلب كما في دمشق- إلا أن والي بر حلب هو والي الولاة.
الثانية- ولاية كفر طاب- وواليها جندي.
الثالثة- ولاية سرمين- وواليها في الغالب جندي، وربما كان أمير عشرة.
الرابعة- ولاية الجبول- وواليها جندي.
الخامسة- ولاية جبل سمعان- وواليها جندي، وهو مقيم بمدينة حلب، يحضر المواكب مع والي المدينة ووالي البر: لقربه منها.
السادسة- ولاية عزاز- وواليها جندي، وربما كان أمير عشرة.
السابعة- ولاية تل باشر- وكان لها والٍ بمفردها جندي، ثم أضيفت آخراً لعينتاب.
الثامنة- ولاية منبج- وواليها جندي.
التاسعة- ولاية تيزين- وهي تارة تفرد بوال يكون جندياً، وتارة تضاف إلى حارمٍ، ويقال والي حارم وتيزين.
العاشرة- ولاية الباب وبزاعا- وواليها جندي.
الحادية عشرة- ولاية دركوش- وواليها جندي.
الثانية عشرة- ولاية أنطاكية- وواليها تارة يكون جندياً وتارة أمير عشرة، وأخبرني بعض كتاب السر بحلب أنها ربما أضيفت إلى نائب القصير.
قلت: ووراء ذلك ولايات أخر ببلاد الأرمن ونحوها لم يتحرر لي حالها. والظاهر أن ولاية جميعها أجناد.
النوع الثاني: مما هو خارج عن حاضرة حلب العربان:
واعلم أنه قد تقدم في الكلام على آل فضل من عربان دمشق أن منازلهم ممتدة بأراضي الشام إلى الرحبة وجعبر في جانب الفرات، وتقدم في الكلام على قواعد الشام المستقرة نقلاً عن المقر الشهابي ابن فضل الله في التعريف أن جعبر كانت في زمانه من مضافات دمشق، وأن الواجب أن تكون من مضافات حلب، فإنها أضيفت بعده إلى حلب وحينئذ فيكون في بلاد حلب بعض عرب آل فضل المتقدم ذكرهم هناك.
والمختص بأعمال حلب من العرب المشهورين قبيلتان: القبيلة الأولى بنو كلاب قال في مسالك الأبصار: وهم عرب أطراف حلب والروم، ولهم غزوات عظيمة معلومة وغاراتٌ لا تعد، ولا تزال تباع بنات الروم وأبناؤهم من سباياهم، ويتكلمون بالتركية ويركبون الأكاديش، وهم عرب غزو، ورجال حروب، وأبطال جيوش، وهم من أشد العرب بأساً، وأكثرهم ناساً. قال: ولإفراط نكايتهم في الروم صنفت السيرة المعروفة بدلهمة والبطال منسوبة إليهم بما فيها من ملح الحديث ولمح الأباطيل؛ ولكنهم لا يدينون لأمير منهم يجمع كلمتهم، ولو انقادوا لأمير واحد لم يبق لأحد من العرب بهم طاقةٌ.
قال الحمداني: وكان بنو كلاب قد ظهروا على آل ربيعة، وذلك أن الملك الكامل كان طلب من ماتع بن حديثة وغنام بن الظاهر جمالاً يحمل عليها غلالاً إلى خلاط يقوتها بها، فاحتج بغيبة جماله في البرية، وكان بعض بني كلاب حاضراً فتكفل له بحاجته من الجمال ووفى له بذلك، فحقد بها الملك الكامل على ماتع بن حديثة وغنام بن الظاهر واستوحشا منه ثم أتياه عند أخذه آمد، فوبخهما فخرجا خائفين منه إلى أن فتح دمشق فأتياه بأنواع التقادم وتقربا إليه بالخدمة. قال: وكانت بنو كلاب تخدم الملك الأشرف موسى وتصحبه لمتاخمة بلاد الروم.
قال في مسالك الأبصار: وكان سلطاننا يعني الناصر بن قلاوون لا يزال ملتفتاً إلى تألف بني كلاب هؤلاء، وكان أحمد بن نصير المعروف بالتتري قد عاث في البلاد والأطراف واشتد في قطع الطريق، فأمنه وخلع عليه وأقطعهفانقادت بنو كلاب للطاعة، وكان الملك الناصر قد أمر عليهم سليمان بن مهنا وجعل عليه حفظ جعبر وما جاورها.
القبيلة الثانية- آل بشار- قال في مسالك الأبصار: وديارهم الجزيرة والأخص بلاد حلب. قال: والأحلاف منهم حالهم في عدم الانقياد لأمير واحد حال بني كلاب. ولو اجتمعوا لما أمن بأسهم نقيمٌ على تفرق كلمتهم، وبسبب جماعتهم لا يزال آل فضل منهم على وجل، وطالما باتوا وقلوبهم منهم ملأى من الحذر، وعيونهم وسنى من السهر؛ وبينهم دماء؛ وهم وبنو ربيعة وبنو عجل جيران، وديارهم من سنجار وما يدانيها إلى البارة أو قريب الجزيرة العمرية إلى أطراف بغداد.
النيابة الثالثة: نيابة أطرابلس:
وفيها جملتان:
الجملة الأولى في ذكر أحوالها ومعاملاتها:
أما معاملاتها فبالدنانير والدراهم النقرة على ما مر في الديار المصرية ودمشق وحلب؛ وصنجتها كصنجة دمشق في الذهب والفضة؛ وبها الفلوس العتق فلساً بدرهم؛ ورطلها ستمائة درهم كما في دمشق، وأواقيه اثنتا عشرة أوقية كل أوقية خمسون درهماً. وتعتبر مكيلاتها بالمكوك كما في حلب؛ ويقاس القماش بها بذراعٍ كل عشرة أذرع منه إحدى عشرة ذراعاً بالمصري؛ وتقاس أرض دورها بذراع العمل كما في الديار المصرية وغيرها من البلاد الشامية؛ وتعتبر أرض زراعتها بالفدان الإسلامي والفدان الرومي كما في دمشق وغيرها من البلاد الشامية؛ وخراجها على ما تقدم في دمشق وغيرها من بلاد الشام.
وأما جيوشها فمن الترك ومن في معناهم على ما تقدم في غيرها من الممالك الشامية، وبها أمير واحد مقدم ألف غير النائب، وباقي أمرائها طبلخاناه وعشرات وخمسات ومن في معناهم من العشرينات وغيرها؛ وبها من وظائف أرباب السيوف نيابة السلطنة: وهي نيابة جليلة، نائبها من أكبر مقدمي الألوف، وهو في الرتبة الثانية من حلب كما في حماة؛ وليس بها قلعة يكون لها نائب بل نائب السلطنة هم المتسلم لجميعها والمتصرف فيما لديها من أمر العسكر وغيره.
ومنها الحجوبية، وبها ثلاثة حجاب أكبرهم طبلخاناه وهو حاجب الحجاب، والحاجبان الآخران كل منهما أمير عشرة.
ومنها المهمندارية، وشد الدواوين، وشد الخاص، وشد مراكز البريد، وشد المينا، ونقابة النقباء، وأميراخورية، وشد الأوقاف، وتقدمة البريدية، وأميراخورية البريد، وولاية المدينة، وتقدمة التركمان وغير ذلك، وكلها يوليها النائب بها.
وبها من أرباب الوظائف الديوانية ناظر المملكة، وناظر الجيش، وصاحب ديوان المكاتبات، وولاية الثلاثة من الأبواب السلطانية بتواقيع شريفة، وكتاب دست، وكتاب درج، ولايتهم من نائبها.
وبها من الوظائف الدينية قضاء القضاة من المذاهب الأربعة، وقاضيا عسكر شافعي، وحنفي، ومفتيا دار عدل كذلك، ومحتسبٌ، ووكيل بيت المال، إلى غير أولئك من أرباب الوظائف.
وأما ترتيب النيابة بها فإن النائب يركب في يومي الاثنين والخميس من دار النيابة، ويخرج في موكبه من الأمراء والأجناد حتى يأتي ساحل البحر، ثم يعود إلى دار النيابة ومعه جميع الأمراء والأجناد، خلا الأمير المقدم فإنه لا يحضر معه إلى دار النيابة. وإذا حضر النائب إلى دار النيابة جلس في دار العدل بصدر الإيوان وليس بها كرسي سلطنةٍ، ويجلس قاضيان: شافعي وحنفي عن يمينه، ومالكي وحنبلي عن يساره، ووكيل بيت المال تحت القاضي المالكي، ويجلس كاتب السر أمامه على القرب من يساره وكتاب الدست خلفه، وحاجب الحجاب جالس أمام النائب على القرب منه، ويأخذ الحجاب الصغار القصص وينأولونها إلى حاجب الحجاب فيدفعها لكاتب السر، ويفصل المحاكمات، ثم ينفض المجلس ويمد السماط فيأكلون وينصرفون كما في غيرها.
الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها:
وهو على ضربين:
الضرب الأول: النواب:
وهم على قسمين:
القسم الأول: النيابات بمضافات نفس أطرابلس:
وبها خمس نيابات كلهم يكاتبون عن الأبواب السلطانية في المهمات ونحوها، دون خلاص الحقوق، فإنه يختص بنائب السلطنة بها.
الأولى- نيابة حصن الأكراد- ونيابته إمرة عشرة.
الثانية- نيابة حصن عكار- ونيابته إمرة عشرة.
الثالثة- نيابة بلاطنس- ونيابتها إمرة عشرة.
الرابعة- نيابة صهيون- ونيابتها إمرة عشرة.
الخامسة- نيابة اللاذقية- ونيابتها إمرة عشرة.
القسم الثاني: نيابات قلاع الدعوة:
وهي ست نيابات خارجاً عن مصياف حيث أضيفت إلى دمشق الأولى- نيابة الرصافة- وأصل نيابتها إمرة عشرة.
الثانية- نيابة الخوابي- وأصل نيابتها إمرة عشرة.
الثالثة- نيابة القدموس- وأصل نيابتها إمرة عشرة.
الرابعة- نيابة الكهف- وأصل نيابتها إمرة عشرة.
الخامسة- نيابة المنيقة- وأصل نيابتها إمرة عشرة.
السادسة- نيابة القلعة- وأصل نيابتها إمرة عشرة.
قلت: وقد أخبرني بعض كتاب المملكة أن هذه النيابات كلها استقر فيها أجناد، وبالجملة فإنما يولي فيها نائب طرابلس بكل حال.
الضرب الثاني: الولاة:
وبها ولاياتٌ ست، وولاة جميعها أجناد، عن نائب طرابلس.
الأولى ولاية أنطرطوس.
الثانية ولاية جبة المنيظرة.
الثالثة ولاية الظنيين.
الرابعة ولاية بشريه.
الخامسة ولاية جبلة.
السادسة ولاية أنفة.
النيابة الرابعة: نيابة حماة:
وفيها جملتان:
الجملة الأولى في ذكر أحوالها ومعاملاتها:
أما معاملاتها فعلى ما تقدم في غيرها من الممالك الشامية من المعاملة بالدنانير والدراهم، وصنجتها كصنجة دمشق وحلب وطرابلس، تنقص عن الصنجة المصرية كل مائة مثقال مثقالٌ وربع، وكل مائة درهم درهم وربع، ورطلها سبعمائة وعشرون درهماً بصنجتها؛ ومكيلاتها معتبرة بالمكوك كما في حلب وبلادها، ومكوكها، مقدر كل مكوكين وربع مكوك غرارة بالدمشقي؛ وقياس قماشها وقياس أرضها بذراع العمل المعروف.
الجملة الثانية في ترتيب نيابتها:
وهي على ضربين:
الضرب الأول: ما بحاضرتها:
أما جيوشها فمن الترك ومن في معناهم، وبها عدة من أمراء الطبلخاناه والعشرات والخمسات ومقدمي الحلقة وأجنادها، وليس بها مقدم ألف. وقد تقدم في الكلام على قواعد الشام المستقرة أنها كانت بيد بقايا الملوك الأيوبية إلى آخر الدولة الناصرية محمد بن قلاوون في سلطنته الأخيرة. قال في مسالك الأبصار: إن صاحبها كان يستقل فيها بإعطاء الإمرة والإقطاعات وتولية القضاة والوزراء وكتاب السر وسائر الوظائف بها، وتكتب المناشير والتواقيع من جهته ولكنه لا يمضي أمراً كبيراً في مثل إعطاء إمرة أو وظيفة كبيرة حتى يشاور صاحب مصر، وهو لا يجيبه إلا بأن الرأي ما تراه ومن هذا ومثله، وربما كتب له مرسومٌ شريفٌ بالتصرف في مملكته. قال في مسالك الأبصار: ومع ذلك فصاحب مصر متصرف في ولاية صاحبها وعزله، من شاء ولاه ومن شاء عزله، ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن خلع الأفضل محمد بن المؤيد المتقدم ذكره من سلطنتها، بعد موت السلطان الملك الناصر وملك ابنه أبي بكر؛ ونائبها من أكابر الأمراء المقدمين، ولكنه في الرتبة دون نائب طرابلس وإن كان مساوياً له في المكاتبة من الأبواب السلطانية؛ ويظهر ذلك في كتابة المطلقات الكبار حيث يذكر نائب طرابلس قبله.
وبها من وظائف أرباب السيوف الحجوبية؛ وبها حاجبان: الكبير منهما طبلخاناه والثاني عشرة؛ والمهمندارية، وبها اثنان وهما جنديان؛ وشد مراكز البريد، وبه جندي؛ وأميراخورية البريد، ومتوليها جندي؛ وولاية المدينة، وواليها جندي؛ ونقابة العساكر، وبها اثنان وهما جنديان أحدهما أكبر من الآخر.
وجميع أرباب الوظائف يوليهم النائب بها بتواقيع كريمة، وليس بها قلعةٌ لها نائب.
وبها من الوظائف الدينية من أرباب الأقلام أربعة قضاة من المذاهب الأربعة، وولايتهم من الأبواب السلطانية بتواقيع شريفة، وقاضي عسكر حنفي، وليس بها قضاة عسكر من المذاهب الثلاثة الأخر ولا مفتو دار عدل؛ وبها وكيل بيت المال، وولايته من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف ووكالة شرعية؛ ومحتسب بولايةٍ عن النائب بتوقيع كريم.
وبها من الوظائف الديوانية من أرباب الأقلام كاتب سر، ويعبر عنه في ديوان الإنشاء بصاحب ديوان المكاتبات بحماة المحروسة، وولايته من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف، وله أتباع من كتاب الدست وكتاب الدرج وولايتهم عن النائب بتواقيع كريمة؛ وبها ناظر المملكة القائم مقام الوزير، وولايته من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف، وله أتباع من كتاب وشهود، وولايتهم عن النائب بتواقيع كريمة. إلى غير ذلك من وظائف صغارٍ يوليها النائب بتواقيع كريمة.
وترتيب الموكب بها أن النائب بها يركب من دار النيابة في يومي الخميس والاثنين وصحبته العسكر من الأمراء وأجناد الحلقة، ويخرج إلى خارج المدينة من قبليها ويسير في الموكب إلى ضيعة تسمى بقرين على القرب من حماة، ثم يعود في موكبه حتى يقف بسوق الخيل بمكان خارج المدينة يعرف بالموقف، وينادى بينهم على الخيول، وربما نودي على بعض العقارات، ثم تصيح الجاويشية، وينصرف عن ذلك المكان ويدخل المدينة، ويأتي دار النيابة ويدخل أول العسكر من داخل باب يعرف بباب العسرة، ثم يترجل الناس على الترتيب على قدر منازلهم حتى لا يبقى راكب سوى النائب بمفرده، ولا يزال راكباً حتى يترجل بشباك بدار النيابة معد للحكم فيجلس فيه ويجلس عنده داخل الشباك القضاة الأربعة: الشافعي والحنفي عن يمينه، والمالكي عن يساره والحنبلي يليه؛ ويجلس الأمراء على قدر منازلهم، وكاتب السر وناظر الجيش أمام النائب خارج الشباك؛ ويقف هناك الحاجبان والمهمندار ونقيب النقباء، وترفع القصص فيقرؤها كاتب السر عليه ويرسم فيها بما يراه، ثم يقوم من مجلسه ذلك وينصرف القضاة ويدخل إلى قبة معدة لجلوسه ومعه كاتب السر وناظر الجيش والأمراء فيفصل بقية أموره مما يتعلق بالجيش وغيره، ثم يمد السماط بعد ذلك فيأكلون وينصرفون.
الضرب الثاني: ما هو خارج عن حاضرتها:
وليس بخارجها نيابات، بل يقتصر فيه على ثلاث ولايات، ولاتها أجناد يوليهم النائب بها.
الأولى ولاية برها كما في دمشق وحلب.
الثانية ولاية بارين.
الثالثة ولاية المعرة. وليس بها عرب ولا تركمان تنسب إليها.
النيابة الخامسة: نيابة صفد:
وفيها جملتان:
الجملة الأولى فيما هو بحاضرتها:
أما معاملاتها فكما في دمشق وغيرها من البلاد الشامية؛ وصنجتها كصنجتها ورطلها......... وأواقيه اثنتا عشرة أوقية كل أوقية......... وتعتبر مكيلاتها...... وتقاس أرض دورها بذراع العمل كما في غيرها، وتعتبر ارض زراعتها بالفدان الإسلامي والفدان الرومي كما في غيرها من البلاد الشامية.
وأما جيوشها ووظائفها الديوانية ووظائفها الدينية، فكما في طرابلس. وأما ترتيب النيابة بها.
الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها:
وليس بأعمالها نيابة بل كلها ولايات، يليها أجناد من قبل نائب صفد؛ وهي إحدى عشرة ولاية: الأولى ولاية برها كما في غيرها من الممالك المتقدمة.
الثانية ولاية الناصرة.
الثالثة ولاية طبرية.
الرابعة ولاية تبنين وهونين.
الخامسة ولاية عثليث.
السادسة ولاية عكا.
السابعة ولاية صور.
الثامنة ولاية الشاغور.
التاسعة ولاية الإقليم.
العاشرة ولاية الشقيف.
الحادية عشرة ولاية جينين.
النيابة السادسة: نيابة الكرك:
وفيها جملتان:
الجملة الأولى فيما هو بحاضرتها:
أما معاملاتها فكما في غيرها: من المعاملة بالدنانير والدراهم، وصنجتها ورطلها وأواقيه اثنتا عشرة أوقية كل أوقية ويقاس قماشها بذراع وتقاس أرض دورها بذراع العمل كما في غيرها، وتعتبر أرض زراعتها بالفدان الإسلامي والفدان الرومي كما في غيرها من بلاد الشام، وكذلك خراج أرضها.
وأما جيوشها فعلى ما تقدم في غيرها من الممالك من اجتماعها من الترك ومن في معناهم؛ وبها من الأمراء الطبلخانات والعشرات والخمسات ومن في معناهم، وليس بها مقدم ألف غير النائب كما تقدم والحجوبية والمهمنداية وتقدمة البريد، وولاية القلعة؛ وبها من الوظائف الديوانية ناظر المال وناظر الجيش وكاتب درج؛ وولاية هؤلاء الثلاثة من الأبواب السلطانية.
وأما ترتيب الموكب بها..
الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها:
وهو على ضربين:
الضرب الأول: الولايات:
وفيها أربع ولايات الأولى ولاية برها كما في غيرها.
الثانية ولاية الشوبك.
الثالثة ولاية زغر.
الرابعة ولاية معان.
الضرب الثاني: العرب:
وعرب الكرك فيما ذكره في مسالك الأبصار: بنو عقبة، وعقبة من جذام. قال في مسالك الأبصار: وكان آخر أمرائهم شطى بن عتبة وكان سلطاننا الملك الناصر محمد بن قلاوون قد أقبل عليه إقبالاً أحله فوق السماكين وألحقه بأمراء آل فضل وأمراء آل مرا، واقطعه الإقطاعات الجليلة، والبسه التشريف الكبير، وأجزل له الحباء، وعمر له ولأهله البيت والخباء. وكذلك ممن ينسب إلى عرب الكرك بنو زهير عرب الشوبك، وآل عجبون، والعطويون، والصونيون وغيرهم.